يطرح فيلم “المنشق” (Der Deserteur, 2025) للمخرج كريستوف بومان أسئلة أخلاقية عميقة حول الحرب، الذنب، والغفران، من دون تقديم إجابات جاهزة. وتدور أحداث الفيلم في جبال الألب بعد سقوط الرايخ الثالث، حيث يلتقي الجندي السابق في وحدات الـ SS، أنتون، بالمرأة اليهودية هانا التي نجت من الحرب مع طفلتها، ليصير اللقاء بين الجلاد والضحية لحظة صمت ثقيلة تعكس تراكم الألم والندم عبر التاريخ الفردي والجماعي.
الفيلم ينتمي إلى ما تُعرف بـ "سينما المساءلة الأخلاقية"، إذ يضع الإنسان في قلب الحدث، بعيدًا عن الميلودراما والتبرير، ويركّز على الصراع الداخلي للشخصيات بدلًا من مجرد سرد الحرب تاريخيًا. ثلج الجبال، صمت المشاهد، وثبات الكاميرا، كلها عناصر تُحوّل الطبيعة إلى شخصية صامتة، تعكس البرودة الأخلاقية التي تلفّ الشخصيات وتفرض على المتفرج مراقبة الأخطاء والتناقضات دون توجيه حكم مباشر.
من خلال حركات أنتون الصغيرة—جمع الحطب، إصلاح الخشب، التحدث مع شارلوت الصغيرة—يُظهر الفيلم محاولته لإعادة بناء ذاته في ظل الذنب التاريخي، بينما تحتفظ هانا بحذرها، ممثلةً صدى الجرح والذاكرة الجماعية للضحايا. الصمت الطويل والحوار الاقتصادي يُلقي الضوء على التوتر النفسي الداخلي ويضع المشاهد في مواجهة مباشرة مع أسئلة المسؤولية الفردية والجماعية، والقدرة على الغفران بعد ما ارتكب من أفعال.
الفيلم يختبر حدود الرمزية والجمال البصري، مع إضاءة طبيعية باردة، تصوير ثابت وبطيء، وموسيقى هامسة، كل ذلك ليؤكد أن مواجهة الماضي ليست موعظة بل دعوة صامتة للتفكير في الإنسان تحت جلد التاريخ. لا يقدم الفيلم نهاية مطمئنة، بل يترك التساؤلات معلقة: هل يمكن للجلاد أن يكتسب إنسانية جديدة؟ وهل يمكن للضحايا أن يغفروا؟
“المنشق” تجربة سينمائية مركّبة بين السياسة، النفس، والتاريخ، تجعل من المشاهد شاهدًا على مواجهة الذات في مرآة الآخرين، وتطرح سؤالًا أساسيًا: هل الهروب من آلة القتل بداية مقاومة، أم استمرار للعذاب الداخلي؟
© Cinenews . All rights reserved 3wmedia.ma